BLOGGER TEMPLATES AND TWITTER BACKGROUNDS

Tuesday, February 15, 2011

الأخلاق الإنسانية الفاضلة

لقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إنما بُعِثْتُ لأتمم مكارم الأخلاق". وفي رواية صحيحة أيضاً أنه قال: "إنما بُعِثْتُ لأتمم صالح الأخلاق".

ومعنى هذا الكلام النبوي أن الله عز وجل قد جعل من بنيان العقيدة التي ينبغي أن يصطبغ بها كل عبد من عباد الله عز وجل، ومن بنيان الشريعة الإسلامية التي ينبغي أن يتعرف عليها ويلتزمها كل مؤمن بالله عز وجل، معنى كلام المصطفى هذا أن الله عز وجل وضع ذلك كله سلماً يرقى به الإنسان إلى الأخلاق الإنسانية الفاضلة، وهذا المعنى هو ذاته المراد بكلمة الأعمال الصالحة أو العمل الصالح المكرر في كتاب الله عز وجل، والمنوط دائماً بصفة الإيمان بالله سبحانه وتعالى، وذلك في مثل قوله: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً} [الكهف:107]. والآيات التي تربط العمل الصالح بالإيمان كثيرة جداً كما تعلمون.

وإنما المقصود بالأعمال الصالحة الأخلاق الإنسانية الفاضلة التي تسري بالتعامل بين الناس بعضهم مع بعض، بل ينبغي أن نعلم جميعاً أن أحكام الشريعة الإسلامية التي تتمثل في أنواع المعاملات المالية المختلفة وغيرها إنما المراد بذلك كله أن تُسْتَخْدَمَ هذه الأعمال وهذه المعاملات للأخلاق الإنسانية. فما حرَّم الله عز وجل معاملة من المعاملات إلا لأنها تتعارض مع أخلاق التعامل الإنساني، وما أوجب نوعاً من المعاملات إلا لأنه هو المتفق مع الأخلاق الإنسانية الفاضلة، فهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم: "إنما بُعِثْتُ لأتمم مكارم الأخلاق".

ولكن فلنعلم – يا عباد الله – أن مكارم الأخلاق وأن الأخلاق الإنسانية الفاضلة لا تُسْتَنْبَتُ في فراغ، ولا يمكن أن يصطبغ بها المجتمع الإنساني بدون أن تُسْتَنْبَتَ في تربة صالحة ترعى هذه الأخلاق الفاضلة.

وانظروا – يا عباد الله – إلى البيان الإلهي كيف يُجَلِّي هذه الحقيقة، إن الله سبحانه وتعالى يضعنا من هذا الإسلام الذي شرفنا به أمام ما يشبه شجرة باسقة، أما جذعها فإنما هو المعتقدات الإيمانية التي تترسخ بالذهن وتهيمن عاطفة من الحب والتعظيم والمهابة على القلب، وأما أغصانها فالأحكام السلوكية المتنوعة بدءاً من العبادات فما يليها من أحكام المعاملات المتنوعة الكثيرة، وأما ثمارها فالأخلاق الإنسانية الفاضلة.

هكذا يبصرنا كتاب الله عز وجل، وتأملوا في هذا الذي يقوله ربنا سبحانه وتعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء. تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}[إبراهيم:24-25]. {تُؤْتِي أُكُلَهَا} ما هو أُكُلُ هذه الشجرة؟ ما هو أُكُلُ العقيدة التي تمثل جذع هذه الشجرة؟ ما هو أُكُلُ الأغصان الكثيرة المتفرعة التي تمثل الأحكام السلوكية في الإسلام؟ إن الأُكُلَ إنما هو الأخلاق التي بُعِثَ رسول صلى الله عليه وسلم لرعايتها ولإتمامها، ألا فلنتبصر بهذه الحقيقة يا عباد الله.

أُذَكِّرُ نفسي وأُذَكِّركم بهذا الذي يقوله لنا ربنا سبحانه، حتى نعود فنتأكد أن الأخلاق الإنسانية الفاضلة لا يمكن أن تتحقق في فراغ بدون وازع، الأخلاق الإنسانية الفاضلة لا يمكن أن تُسْتَنْبَتَ في الهواء، إن الذي يريد أن يربي المجتمع على الأخلاق الإنسانية المثلى قفزاً دون أن يستنبتها في جذع العقيدة الإيمانية تعليماً وتربية وتنبيهاً، دون أن يستنبتها في الأحكام السلوكية الكثيرة تربية وتنبيهاً وتعليماً، إن هذا الذي يحلم بهذا هو أشبه بمن يَرْقُمُ في الهواء، أو بمن يكتب على الماء، لا يتأتى ذلك